خبراء: الجزائر ستعانی لعقود من الآثار المدمرة للتجارب النوویة الفرنسیة

رمز الخبر : #2747
تاریخ النشر : پنج شنبه, 9 شهریور 1396 9:29
الجزائر ستعانی لعقود من الآثار المدمرة للتجارب النوویة الفرنسیة

وأکد رئیس الهیئة الجزائریة لترقیة الصحة وتطویر البحث (هیئة غیر حکومیة) الدکتور 'مصطفی خیاطی' أن الجزائر 'ستظل تعانی لعقود من الزمن من الآثار المدمرة للتجارب النوویة الفرنسیة'، واصفا إیاها بالتجارب الوحشیة.


وصنف الدکتور مصطفی خیاطی، فی ندوة نظمها المتحف الجزائری للمجاهد بمناسبة إحیاء الیوم العالمی لمناهضة التجارب النوویة الموافق لـ 29 آب / أغسطس من کل سنة، هذه التجارب فی خانة 'الجرائم ضد الإنسانیة، موضحا أن فرنسا 'استخدمت مواد خطیرة علی غرار البلوتونیوم فی تنفیذ تجاربها النوویة'.


وأشار الدکتور خیاطی إلی أن هذه التجارب تسببت فی 'ظهور عدة أمراض سرطانیة جلدیة وتنفسیة لسکان المناطق التی شهدت هذه التفجیرات'.
وبحسب الباحث فی الهندسة النوویة 'عمار منصوری'، فإن هذه التجارب النوویة 'أدت إلی آثار وخیمة علی البیئیة، خاصة التجارب الباطنیة'، مشیرا إلی أن فرنسا نفذت '13 تجربة، تضاف إلیها 4 تجارب سطحیة و5 تجارب باستعمال مادة البلوتونیوم و35 تجربة إضافیة'.


أما المؤرخ محمد لحسن زغیدی فیؤکد أن 'الإشعاع النووی یعیش من 10 ثوان إلی 10 ملایین سنة'، وفرنسا بهذه التجارب 'حکمت علی الأرض بالفناء وحولتها من مساحات للحیاة إلی مساحات للإبادة البشریة.
ولعل من أقسی التجارب التی ما زال یعانی الجزائریون من آثارها إلی یومنا هذا تجربة 'الیربوع الأزرق'، وهی أول تجربة نوویة لفرنسا الاستعماریة بالجزائر، نفذتها بمنطقة 'رقان' بمحافظة 'أدرار' (1400 کیلومتر جنوب العاصمة)، وقد بلغت قوتها 60 کیلو طن، أی ما یعادل أربعة أضعاف حجم قنبلة هیروشیما.


وتعد التجربة النوویة 'الیربوع الأزرق' برنامجا نوویا إسرائیلیا بغطاء فرنسی، فإسرائیل کانت تبحث عن أرض لإجراء مثل هذه التجارب، بینما کانت فرنسا تبحث عن الحلقة المفقودة فی امتلاک القنبلة النوویة بعد أن امتنعت أمریکا وبریطانیا عن تزویدها بالطرق والمراحل التجریبیة المیدانیة للتفجیر النووی، فکان الاتفاق السری الذی وقعه الطرفان مع بعضیهما عام 1953.


وروی أحد الشهود توفی مؤخرا، واسمه 'محمد الرقانی'، وهو ابن منطقة رقان وکان یعمل مساعد ممرض فی وقت الاستعمار: 'یومها ارتفعت غمامة الفطر النووی فی السماء، لکنها سرعان ما جلبتها الریاح نحو المناطق الآهلة بالسکان وسط غیمة من الغبار النووی، لا تستطیع من خلاله إبصار شخص آخر علی بعد 3 أمتار. وفی الیوم الموالی،استرجعت کل القلادات وتسجیل کل التغیرات الطارئة علی الأفراد بعد الفحص الطبی الذی أجری علیهم، فیما نقلت الحالات المتضررة إلی القاعدة العسکریة لمتابعة تطوراتها، قصد معرفة آثار الإشعاع علی البشر، بعیدا عن نقطة الصفر'.


ویروی سکان المنطقة ممن مازالوا علی قید الحیاة أنهم 'لاحظوا قبل التفجیر أنّ ثمة تحرکات غیر عادیة للقوات الفرنسیة التی اتخذت إجراءات صارمة ومراقبة دائمة للسکان، ووزعت کمیات من بذور النباتات موضوعة بصنادیق وطلبوا من السکان توزیعها ووضعها علی مسافات معنیة متباعدة عن مرکز نقطة التفجیر المقرر وتبعد الواحدة عن الأخری مسافة نصف کیلومتر، ثم طلبوا من السکان جمعها بعد التجربة.
لقد أخبرت السلطات العسکریة الفرنسیة السکان آنذاک أن حدثا کبیرا سیقع، وأنه یتوجب علیهم فور سماعهم لدوی انفجار قوی، أن یجثموا علی الأرض، وأن یضعوا رؤوسهم فی التراب، وأن لا یعودوا إلی حالهم التی کانوا علیها، إلا بعد عودة الأمور إلی طبیعتها الأولی وزوال صوت الانفجار وما یتبعه من آثار.
کما أن السلطات العسکریة، أعطت کل شخص قطعة معدنیة صغیرة، برقم تسلسلی یقابل هویة حاملها، بهدف التعرف علی جثتهم فی حال تشوهها جراء الانفجار، ولمعاینة الخبراء نتائج الانفجار علی أجساد أشخاص اختیروا لیکونوا موضوع تجارب.
وقد قبل الناس آنذاک الموضوع وأحاطوا رقابهم بالقلائد الفرنسیة بسذاجة وببساطة، ولم یکن یخطر ببالهم أنهم یواجهون خطرا حقیقیا، ولم یکونوا یعرفون حتی معنی عبارة قنبلة نوویة. کما نقل الفرنسیون عددا من الأسری والسجناء، یتجاوز عددهم 150 شخصا.
ومازالت آثار التجارب النوویة بالمنطقة بادیة للعیان إلی الیوم، فقبل التفجیرات کانت أراضی المنطقة خصبة جدا، ویروی الأشخاص المسنون أنه کانت تزرع هناک الحبوب والتمور والعدس ومنتوجات مبکرة ذات جودة ونوعیة، ونجد کذلک قطعان الماشیة، وحیوانات متنوعة، مثل الغزال والفنک والأیل وعصافیر وجوارح مختلفة، کل ذلک اختفی، وتلوثت المیاه الباطنیة، وفقد القمح حجمه الطبیعی والنخیل أصابه المرض.


ومازال سکان رقان ومنطقة الهقار إلی الیوم یعانون ارتفاع عدد الوفیات بسبب السرطان. وحسب المختصین، فإن هناک أکثر من 20 نوعا من السرطان بسبب هذه التجارب کما ظهرت حالات بالإضافة إلی الوفیات المتکررة للأطفال عند الولادة، بعضهم لدیه تشوهات خلقیة، مثل عین واحدة وأصابع قصیرة جدا، وظهور حالات العقم التی أصبحت شائعة وکذا التأثیرات الوراثیة .
وتدعو منظمات حقوقیة جزائریة حکومتها 'باستعمال کل طاقتها القانونیة والدبلوماسیة من أجل مساعدة ضحایا التجارب النوویة فی استعادة حقوقهم المعنویة والمادیة'، إضافة إلی 'السماح لکل شخص طالب للتعویضات له أو لذویه، بالإطلاع أو الحصول من الإدارة علی نسخة مطابقة للأرشیف الخاص بالتجارب النوویة الفرنسیة بالصحراء الجزائریة من سنة 1960 إلی 1966.
کما تطالب هذه المنظمات من فرنسا 'تعویض الأشخاص الذین حطمت حیاتهم وأولئک الذین یعیشون المعاناة'، داعیة إیاها إلی أن 'تتحمل مسؤولیتها فی تنظیف المواقع والمساهمة فی إصلاح ما لوث'.


کما دعت المنظمات الحقوقیة الوکالة الدولیة للطاقة الذریة إلی أن 'تفرض علی فرنسا تقدیم خریطة التفجیرات بالتفصیل ومساعدة الجزائر تقنیا ولوجستیا، وتقدیم کل أرشیفها النووی للجزائر المتعلق بالتفجیرات والتجارب النوویة والنفایات وکذلک مکونات القنابل المختلفة وترکیباتها ومدی تأثیرها حسب القرب أو البعد والوزن ونتائجها علی المحیط، وعدم التحجج بأسرار الدفاع والأمن القومی.
وکان وزیر المجاهدین 'الطیب زیتونی' قد أکد، فی أول زیارة عمل یقوم بها وزیر مجاهدین إلی فرنسا فی نهایة کانون الأول / ینایر 2016، أنه 'آن الأوان لتهتم کل من الجزائر وفرنسا بالملفات العالقة المتعلقة بالمفقودین والأرشیف والتجارب النوویة.
وتعمل ثلاث لجان من أجل إنجاح المفاوضات بشأن هذه الملفات، وتتمحور اللجنة الخاصة بالتجارب النوویة حول تعویض الضحایا، وکان من المفروض أن تجتمع هذه اللجنة السنة الماضیة، غیر أن ذلک لم یحدث.


وهناک قانون صدر بفرنسا فی 5 کانون الثانی / ینایر 2010 یعرف باسم 'قانون موران'، یتعلق بالاعتراف وتعویض ضحایا التجارب النوویة الفرنسیة، إلا أنه قانون یقصی کل المتضررین من السکان والعسکریین الذین ینحدرون من المنطقة أو أقاموا فیها خلال فترة التجارب.َ